نظرية مهلبية


بعد قيام الثورة بأكثر من عام…

وبعد طرح العديد من التساؤلات و التكهنات و الافتراضات و التنبؤات و التفسيرات و التوقعات عن الثورة و سبب قيامها و من مدبرها و لماذا قامت و هل ستنجح و هل نجحت فعلا و اذا كانت ناجحة فلماذا لا نشعر بالتغيير و هل قامت من أجل التغيير و أى نوع من التغيير سيحدث و اذا حدث هل سيكون للأحسن أم الأسوأ و هل كانت الثورة الحل الوحيد أم كان هناك حل آخر فربما تكون الثورة تدبير أمريكى اسرائيلى اخوانى ايرانى عسكرى روسى عربى هندى ارجنتينى مريخى من أجل زعزعة الاستقرار المستقر فى مصر؟؟؟؟

نظريات للمؤامرات…العديد من نظريات المؤامرات…

وتحدث الكثير عن وضع مصر قبل الثورة و بعدها…فربما كان الوضع قبل الثورة جيدا و قامت الثورة بتخريب الوضع…أو ربما كانت الثورة هى الحل الوحيد للخروج من عنق الزجاجة-اللى احنا طول عمرنا محشورين فيه و يا رب الزجاجة دى تتكسر-و تحسين الأوضاع العلمية و الاجتماعية و السياسية للبلاد…

انشغلت الغالبية العظمى من جموع الشعب فى الفكرة الثورية…هل هى صحيحة و مفيدة أم هى ضارة…هل سنشارك فى الثورة بشكل فعال أم لن نشارك…

انشغل الكثيرون بتفسير الغرض من كل مليونية…بل و انشغل البعض الآخر بتسمية كل مليونية…وانشغل فريق ثالث بنقد كل مليونية…وانشغل آخرون بالسؤال اللولبى المتكرر…هل الأصح المشاركة فى المليونية أم الجلوس فى المنزل دعما للاستقرار…

انشغل الكثيرون بتقسيم الشارع المصرى…ثوار…كنب…فلول…الى آخره من المسميات الكثيرة…

انشغل البعض بسب و لعن من قام بالثورة…وانشغل البعض بسب و لعن النظام الفاسد…وانشغل البعض فى سب و لعن الشرطة…وانشغل البعض فى سب و لعن من لم يشارك فى الثورة…

وبعدها انشغل البعض فى دعم النظام السابق…وانشغل البعض فى دعم الأحزاب…وانشغل البعض فى دعم الجيش…وانشغل البعض فى دعم الثوار…

وفى هذه الأثناء…انشغل البعض بنظام الحكم…هل يكون ديمقراطى مدنى…علمانى…دينى-وهو ما لا يجب خلطه بالاسلامى-تكنوقراطى-هذا الاسم العجيب الذى تم طرحه على العامة من الشعب-أم برلمانى أم رئاسى أم عسكرى…

وانشغل الكثيرون بالاستفتاء…فانقسم المنشغلون الى فريق لنعم و فريق ل لا…نعم للاستقرار و لا للتغيير…علما بأن ما نحن فيه لم يرتبط بنعم أو لا…

وكأمر طبيعى انشغل الناس فى تحليل و تفسير النعم و ال لا…فلهذا أسبابه و لذاك أسبابه…ومن الأفضل…ومن الصحيح ومن الخاطىء؟؟

انشغل بعد ذلك الكثيرون بالمظاهرات…فهناك من يقوم بالمظاهرات…كل لغرضه…وكل يحاول الحصول على حقه…وكل يوضح وجهة نظره…وانشغل البعض الآخر فى تفسير المظاهرات و الغرض منها…هل هى فى الصالح العام…هل ستؤدى الى الاستقرار…هل ستدمر ما تبقى فى مصر؟؟؟

وانشغل الكثيرون بتحليل الحوادث الكبرى أمثال ماسبيرو و محمد محمود و مسرح البالون و مجلس الشعب وما الى غير ذلك من أحداث…لماذا حدثت…وكيف حدثت…وماذا كانت العواقب…وما هى الويائل المتاحة لحل مثل هذه الأحداث ومنع تكرارها…وهل حدثت كحدث مفاجىء أم حدثت بتخطيط و تدبير…

ثم انشغل الناس ب 6 أبريل…و الماسونيين…و الاخوان…و السلفيين…و الاناركية…والحاجات العجيبة دى…وكل شخص يحاول تفسير ما يرى من وجهة نظره الخاصة…ومن الصالح و من الطالح…

انشغل الناس بمجلس الشعب و انتخاباته…انشغلوا بمن سيكون عضوا فى البرلمان…لم ينشغلوا بالبرامج أو الأهداف…

انشغال الناس كان فئويا و لم يكن عمليا…فلم ينشغل أحد بالحلول أو ما سيحدث..السؤال كان من سيحكم…

وانشغل كل فرد محب لفئة معينة بتوضيح محاسن هذه الفئة…و مساوىء الفئات الأخرى…

ولا يزال الناس منشغلون بالدستور…و يحللون ما هو الأفضل…و هذا يصلح و هذا لا…وانشغلوا بمرشحى الرئاسة الذى لم يعلن منهم أى فرد عن برنامجه أو خططه المقترحة للنهوض بالوطن و تحسين الحال العام…

كل مرشح يعرض نفسه…ويكأنه “مستر ايجبت”…هذا متدين بدقن…وهذا خليفة جيفارا…وهذا منمق و مسرح شعره…وهذا له انجازات فى الحكومة السابقة…وما الى غير ذلك…

لقد تحدثوا عما حدث…ولم يتحدثوا عما هو قادم…

وانشغل الناس بابراز مساوىء هذا…وعيوب الآخر…مدح هذا و ذم الآخر…هذا يصلح و هذا لا يصلح…بناء على المظهر الخارجى لكل شخص أو مجموعة من الانجازات المفترض انها حدثت فى الماضى…

لم يحدثنا أحد عما هو قادم…!!!

انشغلت الأحزاب بالحديث عن قوتها…وانتشارها…ومهاجمة الأحزاب الأخرى…و أحقيتهم للسلطة…من هو الأحق…

تم اختيار مجلس الشعب على أساس الانتمائات…وعلى أساس تفضيلات كل شخص…ولم يتم اختيار المجلس بناء على خطط تنفيذية أو برنامج قوى أو سياسة واضحة…

انشغل مجلس الشعب-كعادته التاريخية-باللت و العجن…لم يدخل المجلس من يريد اصلاحا أو تغييرا…بل دخل المجلس من يريد السلطة و التحكم…

انشغل المجلس بالنزاع الداخلى…والاستعراض على الملأ…ولم ينشغل بحل قضايا المواطنين…أو بتطوير البلد…

أول ما قاله النواب فى حلف اليمين كان…بما لا يخالف شرع الله…والغريب اننى لم أرى أى من تشريعات الله عز و جل فى أى من شوارعنا أو مؤسساتنا أو حياتنا ككل…

وأول ما قاله النواب فى أول جلسة…سنعيد حق الشهداء…وهو ما وعدنا به كل من له فرصة الحديث التليفزيونى أو الصحفى…بداية من المجلس العسكرى الشقيق…نهاية بالنواب الموقرين…

وللأسف…لا يدرك الكثير من جموع الشعب أن حق الشهداء يعنى مستقبل أفضل…فالشاب ضحى بنفسه من أجل أن تعيش الأجيال القادمة فى وضع أفضل…أعتقد أن هذا ما أراده كل شهيد…

ولم يرد الشهداء أن يرحلوا من أجل الحصول على تعويضات مادية لذويهم…أعتقد انها لم تكن النظرية…!

وعموما أصبحت جملة “اعادة حقوق الشهداء” ترجمة حرفية لمقولة “النهوض بالمواطن البسيط”…هل لاحظ أى أحد أى اختلاف؟؟؟

انشغل كل حزب فى مجلس الشعب باظهار نفسه…وانه المناضل…بينما لم يشارك معظمهم فى أى من أحداث الثورة…

أخبرنى البعض بأن اختيار أعضاء المجلس لأمانتهم…أو قوتهم…أو محبتهم…أو كما ذكرت مسبقا لانتمائتهم…ولم يخبرنى أحد أن اختيار أعضاء المجلس كان من أجل الخبرة السياسية أو الاقتصادية أو العلمية أو حتى الرياضية أو الفنية…!!

وفى هذه الأثناء انشغلت جموع الشعب بتحليل كل ما سبق ذكره…و تفصيله تفصيلا مملا…وتحدثوا عن الأسباب و العواقب…

ولم أرى شخصا واحدا فى الوطن يتحدث عن الحلول و الآلية العملية للاصلاح…

انشغل الناس بتحقيق الاستقرار…

الاستقرار…

الاستقرار…

!!!!

بعد قيام الثورة بأكثر من عام…

اكتشفت اننا كل ما فعلناه قبل و بعد الثورة…هو اننا تحدثنا…وتحدثنا…و تحدثنا…وتكلمنا…وحكينا…وفسرنا…وتناقشنا………………..

ولم نصل الى الحل!

أفلا تعقلون؟

Leave a comment